لاتحسبوني أرقصُ بينكم طرباً
بقلم:
د.خالد المنيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقاله رائعه بقلم المتميز
د.خالد المنيف
ومضة قلم
صادف في إحدى الدورات(ذات الرسوم المرتفعة جداً) التي حضرتها أن أجلســني المنـــظمون فــي طــرف القاعة الغــاصة بالمتدربين ، وقد كـــان موقعاً فـي غاية الســوء حيث بالكــاد كنت أرى المدرب ، وفوق هذا كنت في مواجهة تيار هوائي بارد وعنيف، وبعــد لحظات من جلوسي أحسست بثقل في رأســي وألم فــي أطرافــي والمشكــلة أننا لازلنـا فــي بداية الــدورة التـي ستمتــد لأكثر من خمس ساعات..
الجميع متحفز ومتفاعل مع المدرب المشهور إلا الفقير لعفو ربه فهو في كبد لا يعلمه إلا الله!
والمصيبة أني كنت أوزع الابتسامات على من يجاورني ولسان حالي يقول:
لا تحسبوني أرقصُ بينكم طرباً ... فالطيرُ يرقصُ مذبوحاً من الألمِ
هل أتصبرُ وأُجاهد وأكتم ما بداخلي وأنهي اليوم على أي حال؟
أم انسحــب بهــدوء وأســـأل اللــه العــوض فــي الرسوم التي دفعتها وهذا خير لي من أنفلونزا مؤكدة وفائدة معدومة ومتاعب لا تطاق!؟
غادرت القاعة وجلست في صالة الإنتظار باحثاً عن مخرج لهذه المعضلة، تــحدثت مع المنظمين فلم يتفاعلوا مع معاناتي ثم اهتديت لرأي آخر وجــدت فيه المخــرج الصحــيح والحــل الأنســـب واليكم تفاصيله: عدت إلى القاعة ووقفت عند مقعدي ورفعت يدي طالباً التحدث ولم يستجب لي .. أبقيت يدي مرفوعة لدقائق حتى أذن لي المـــدرب بالحديث وبعد الترحــيب بالــمدرب والـــحضور، تحدثـــت بكل صراحــة عن معاناتي التــي أعيشها وعــن استحالة بــقائي في هــذا الموقع التعيس! وسألـــت المدرب (بوضـــوح أن يساعدني!
عمّ ذهول في القاعة وصمت رهيب وأصبحت محط أنظار الحضور بأسرهم!
وبعدمــا انتهيت من كلمـــتي، تحـــدث المــدرب وشكرني على صراحتي وجعل مـن تلــك المداخلة بوابة لموضوع تحــدث عنه لاحقاً ثــم طلــب مــن المنظميــن إيجاد حل فوري لــي، وبالفعــل هبوا مسرعين وأجلسوني في مكان ما كنت أحلم به! ومن هــذا الموقف تعلمــت درســاً أعدّه من أعظـم الدروس في حياتي ألا وهو أنني أختـــــــــــــار في الحياة الأسلــــــــــــــوب الذي يناسبني وأن أعبر مشاعــــــــــــــري برفض أي وضع خاطئ يُفرض علي
الكثيرُ منا للأسف تراه يقنع بما يفرض عليه، راضياً بالأساليب التي لا يفضلها, صامتــــاً تجاه التصرفات التي تزعجه والكلمات التي تجـــرحه، يعتقد أن الآخرين أحق منه بالســعادة في هذه الحياة، وأولى منــه براحة البال، بل ويرى كــل مطالبــه حقيــرة تــافهة لا تستــحق أن يلتــفت إليــها ولا تستــحق منــه بذل صغير الجــهد مــن أجلها
وإليكم بعض تلك المواقف الحياتية المتكررة التي تمر علينا جميعاً:
-تذهــب لأحــد المطاعــم الفــخمة ويقدم إليكــ الطعام بارداً فلا تجرؤ على الإعتراض، وقد تقدم إليك الفاتورة وقد شككت في صحتها ولكنك تجبن عن مراجعتها خوفاً من خدش (بريستيجك(
- يتقدم عليك أحدهم في إحدى الطوابير وتكتفي بحديث داخلي مفاده (فعلاً شخص ما عنده ذوق)
-تطلب منكي الطبيبة في إحدى المستشفيات الخاصة عشرات التحليل والإشعات والتي لا تشــكيــن أنهــا مبــالــغ فيــها ومــع هــذا تستكينين وتمسكين بالأوراق ميممةنحو المختبر معزية نفسك بقولك
(هي طبية وأعلم مني) ... وغيرها من المواقف المشابهة)
-أخي الحبيب أختي الكريمة لا تسلِّم نفسك للآخرين ولا تقدم سعادتــك قربانــاً لأمزجتهم الرديئة، اعترض بعد أن تتأكد من أن لك حقاً, وتــحــدّث بلطــف وابتســامة وإيــاكــ والحــدّة والعنف..
طالب بحقك وعبِّر عن مشاعرك بقوة و(توقّع أكيد) بالاستــجابة لمطالبــك .. تحدّث بثبــات ووضوح ... انظر إلى من تخاطب واجعــل عينيك في عينيه دون أن تحد النظر إليه ..سل بإصرار وطول نفس حتى يستجاب لك، وتأكد أنك حال اتصفت بتلك الصفات ستنقل للآخرين (شعوراً) بأن مطالبك في محلهــا وأن اعتراضكــ مشروع وأن كلمة (لا) منهم لن تثنيك عن مطالبك ولن تجعلك تهرب من المواجهة وتركض نحــو الباب بل تؤكد للآخر أنك مازلت تنتــــظر إجابة ورداً على مطالبك (المنطقيــة المستحقــــة) وتقنعه بــأن لا يــــضيــع وقتــه بالمماطلــة وأن يتــحمل مسؤولية رفضه غير المبرر لطلبك ... إضافة إلى أنك ستكتسب شخصية مرموقة تحظى بتقدير واحترام الجميع .. ما رأيك أن تبدأ من اليـــوم! جرِّب ولن تندم.
ومضة قلم
تذكّر أنك لست صدفة ولست مجرّد عنصر من منتج ولست ناتجاً من خط تجميع، بل قد خلقك الله متميزاً فثق دوماً أنك تستحق أن تعيش الحياة التي تريدها.
لا تحسبوني أرقصُ بينكم طرباً
بقلم د.خالد المنيف